الصفحة الرئيسية  قضايا و حوادث

قضايا و حوادث شباب حيّ التضامن يصرخ: ملـلنا التهميش ونريد مــلاذا يقينا أخطار «الحـرقـان» والـمـخـدرات

نشر في  22 جانفي 2014  (11:04)

حي التضامن في سطور تمتدّ منطقة حي التضامن على مساحة 2445 وتضمّ حوالي 118487 مسكن، كما تحتوي  على 22 مدرسة ابتدائيّة و7 اعداديات و4 معاهد ثانوية وأيضا 13 مسجدا وكان حي التضامن في بداية السبعينات عبارة عن حي سكني بسيط لا يتجاوز عدد سكّانه الألف نسمة، وهي الآن تعتبر من أكبر الأحياء التونسية وفي شمال إفريقيا نظرا لكثافتها السكانية العالية.

 ماذا يحدث في حي التضامن؟ لماذا تطالعنا الصور دائما بشبان في عمر الزّهور يرمون أعوان الأمن بالحجارة ويحرقون اطارات السيارات، لماذا انتشر العنف وملأ الغضب القلوب؟ هل انّ أياد خفيّة تحرك المحتجّين أم أنّه مجرّد خنق وردّة فعل على حالة  التهميش والفراغ والضياع؟ أي دور للمجتمع المدني والمنشآت الثّقافية بالجهة؟ وكيف ينظر المراهقون في حي التضامن الى واقعه؟ أسئلة حملناها وتوجهنا بها هذه المرة الى حيّ التضامن... سبر أغوار هذا الحي المترامي الأطراف ليس بالأمر الهيّن.. «ويني الخدمة»؟ السير بين أنهج  حي التضامن وأزقّته الضيّقة يحيلك الى عالم آخر، انّه عالم الحيرة التي تعلو الوجوه فكلّ فرد له حكاية وان اتفق الجميع تقريبا انّ البطالة أربكتهم  وأرهقت حالهم، فمن الصعب جدا ان تجد عائلة لا تقبل عاطلا او اثنان  على الأقل وبطالة الأبناء تربك العائلات، لأنّ كل الاحتمالات واردة، كما يقول العم سالم، فالحرقة أو بيع الممنوعات او القيام «ببراكاجات» من الأمور التي يخشاها كلّ ربّ عائلة يدرك انّ بطالة ابنه قد تكون بابا للانحراف وأحيانا الى ادمان المخدّرات، أو حتى الاتجار فيها. تحدث إلينا عم سالم بمرارة لا فقط عن بطالة أبنائه الثلاثة بل ايضا عن جيل كامل يقول انه أقرب الى الانحراف والى الكسب غير المشروع . وجالسنا بعض الشباب في احدى المقاهي التي تعجّ به  والذي اختار بعضه لعب الورق رغم انّ الساعة لا تتجاوز العاشرة صباحا!.. حدّثونا بقلوب موجوعة وبألم وحسرة عن واقعهم البائس، بعضهم من أصحاب الشّهائد العليا وآخرون ممّن لقطتهم مقاعد الإعداديات لكنهم يتساوون في المصير «فالكلّ بطالة» حسب تعبير جلال الماجري الذي قال: «في حي التضامن الكلّ سواسية «كي اللي قرا كي اللي ما قراش» فالبطالة هي السمة البارزة وأقصى عمل يمكن القيام به هو نصبة في السوق البلدي» وباستثناءات قليلة هناك فإنّ الآلاف من الشّباب والكهول في حي التضامن يعيشون البطالة أو على بعض المهن الهامشية كجمع فواضل الخبز والقوارير الفارغة. رحلة الضياع في الزوايا وأمام القاهي تطالعك وجوه بعض الشبان وهي غارقة في الحيرة وحين تقترب منهم تدرك حجم الضياع والفراغ، هم كما يقولون «اللي يرقدوا عليه يصبحوا عليه» ولا بارقة أمل في حياتهم سوى الوعود أو الحلم بأن الغد سيكون أفضل بعضهم يختار طريق الضياع فيتورّط في بعض القضايا من نوع السرقة والنشل والآخر يكتفي بملء الفراغ بالجلوس في المقاهي ولعب الورق، جمال الدين التقيناه وحدثنا عن سنوات ضياعه وكيف غادر مقاعد الدراسة مبكّرا ليجد نفسه مورّطا في عديد القضايا، يقول انه ما ان يخرج من السجن حتى يعود اليه هو الآن يريد ان ينقذ ما يمكن انقاذه ويعود الى الجادّة، أكّد لنا انه ملّ حياة الإدمان والفراغ وانّه في حاجة الى من يأخذ بيده. جمال ليس الوحيد الذي زلّت به قدمه نتيجة الفقر وقلة ذات اليد بل آخرون كثيرون جنحوا وانحرفوا منذ طفولتهم ومغادرتهم مقاعد الدّراسة مبكّرا وفي غياب تامّ لوسائل الترفيه. دار الثّقافة تتحوّل الى مخيّم في حي التضامن توجد دار ثقافة وحيدة كانت في ما مضى متنفّس لشباب المنطقة حيث تتعدّد داخلها الأنشطة الثقافية من مسرح وسينما وناد للإعلاميّة، لكنّه وأثناء أحداث الثورة تمّ حرقها واتلاف محتوياتها وعوض الاسراع بإصلاحها وإعادة الحياة فيها ظلّت مهملة الى أن وفد اليها مجموعة من العائلات التي وقع اخراجها من المساكن التي تعود ملكيّتها الى «السّنيت» بجهة رواد فلم تجد مكانا غير دار الثقافة فاستحوذت على غرفها واقامت فيها في تحدّ صارخ للجميع وخاصة على ابناء المنطقة الذين اوصدت امامهم ابوابها واصبحت دار الثقافة عبارة عن ملجأ تتكاثر فيه الأوساخ وتحوّلت الى ما يشبه المبيت. خليل بوعزيز تلميد بأحد معاهد الجهة حدّثنا بحسرة وألم وهو يستظهر لنا انخراطه في دار الثقافة قائلا:«كنت مولعا ولازلت بالمسرح حيث انخرطت بنادي المسرح صحبة مجموعة من اصدقائي.. لكن ومنذ الثورة تحولت دار الثقافة الى ملجأ وحرمنا ورفاقي من دخولها» اما محمد ريان وهو شابّ مولع بالإعلامية فقد قال: «نحن شباب حي التضامن نعاني من الحرمان الثقافي والاجتماعي فلا احد يهتم بنا ولا مكان نمارس فيه هواياتنا الاّ الشارع المليء بالمخاطر، وما نتمنّاه ان تسارع السلط المعنية الى اعادة الحياه في دار الثقافة في الجهة فهي المتنفّس الوحيد الينا». أما مروان فحكايته أغرب وهو العاطل عن العمل منذ سنوات يقول:«جرّبت حظّي في كل مناظرات وزارة الداخلية حوالي 17 مرة، ولكنّني لم أوفّق، ويتساءل هل لأنّني ولد حي التضامن ام ماذا؟» وواصل قائلا:«أعيش البطالة والفراغ وأنا أنحدر من عائلة بسيطة الامكانيات، هل اختار الانحراف كي لا أظلّ عالة على عائلتي؟ أم انتظر ان يتمّ قبولي في احدى مناظرات وزارة الداخلية؟ الملعب في وضعية مزرية والجمعية مفلسة.. في انعدام تامّ لكلّ وسائل الترفيه بحي التضامن حوّلنا وجهتنا الى الرّياضة  وتحديدا الى جمعيّة حي التضامن الرّياضي حيث اكتشفنا ملعبا غير معشب وتنقصه كل التجيهزات، ابناء حي التضامن مازالوا يلعبون على أرضية صلبة، مع كلّ نزول للمطر يتحول الملعب الى بركة من الماء والأوحال. حدّثنا رئيس الجمعية حسين بوزيد وللتاريخ فهو أول رئيس جمعية في تاريخ تونس يقع انتخابه بعد الثورة، وهو رياضي سابق وشاب متحمّس لخدمة ابناء حي التضامن لكن تبقى قلة الامكانيات عائقا وراء ذلك، فباستثناء دعم بلدية المكان ومنحة الوزارة فانّ الجمعية تكاد تكون بلا موارد تذكر رغمّ انّها المتنفّس الوحيد لأبناء الجهة حيث تضمّ حوالي 210 منخرط في كرة القدم لكلّ الأصناف، لكن اللافت للنظر انّ الجمعية تحتضن كلّ الأطفال من صنف المدارس فقط من أجل احتوائهم وعدم حرمانهم من ممارس الرياضة في ملعب لا تتوفّر فيه ادنى مقوّمات الملعب من اضاءة وأدواش وحجرات ملابس، مما يضطرّ الفريق الى اللعب في ملاعب العمران وغيرها وهو ما يكلّفها مصاريف هي في غنى عنها. وأفادنا محمد بوزيد انه يسعى صحبة الهيئة الى ان تكون الجمعية مدرسة للأخلاق خاصة اللاعبين والاستماع الى مشاغلهم ومشاكلهم ومساعدة التلاميذ ماديا ومعنويا يبقى من أولوياتهم خاصة انّ أغلبهم هم من العائلات الفقيرة والمعوزة. أنقذوا شباب حي التضامن! لا شكّ انّ حي التضامن كغيره من الأحياء الشعبية في تونس يعاني من مشاكل عدّة اهمّها البطالة والانقطاع المبكّر للتعليم لكنّ قلة المؤسسات الثقافية بل انعدامها له دور غير مباشر في ارتفاع نسبة الجريمة كما اننا لاحظنا انّ الحديقة العمومية المتنفّس الوحيد لأهالي الجهة تحوّلت الى وكر للمنحرفين.

تحقيق: عبد اللطيف العبيدي